طبيعيتنا كشرقيين تجعلنا نركزعلي “الكم” في معظم امور حياتنا… في العزومه الأصناف العديده والمختلفه الأشكال والألوان تعبر عن اهتمامنا بالضيوف .. في الزيارات الهديه الكبيره او الغاليه تعبير عن قيمه من نهادي….. في الشغل نعتقد ان الشخص الذي يبقي في مكان العمل وقت اطول هو الموظف المثالي… ولكن هل هذا دائما هو المنطق الصحيح؟
حتي في علاقاتنا العائليه نهتم بعمل الكثير والكثير لأولادنا وأزواجنا حتي يعلموا اننا نحبهم “قد الدنيا وقد البحر” … ولكن هل دائما ما نبذله هو بالفعل ما يحتاجون له حتي يشعروا بحجم وعمق حبنا؟
الأب غالبا ما يهتم بتوفير المال والحياه المستقره للتعبير عن كم حبه و الأم كثيرا ما تضغط نفسها ووقتها وصحتها لتوفير وعمل ما تعتقد انه الأهم كي تعبر للجميع عن حبها ….
قد نهتم بالأكل والشرب والملابس والمذاكره والدرجات ومواعيد النوم ومواعيد التمارين ومواعيد الشغل وغيره وبالرغم من ذلك كثيرا ما نشعر ان هناك شئ مفقود … بالبلدي “الحب مش واصل” … نجد ان الزوج يشكو من ان زوجته مش فاهماه والزوجه تشكو من نفس الشئ مع ان كل منهم (شايف نفسه مقطع نفسه من أجل الأخر
كتير من الأمهات والأباء الذين بيلجأون لي في الكوتشينج (تدريب الاباء والأمهات) تكون مشاكلهم ان الأولاد يبعدون ويهربون من الجلوس معهم ! يفضلون ان يكونوا مع اصحابهم او حتي مع انفسهم في عزله في العالم الإفتراضي مع الموبايل او الكمبيوتر علي ان يجلسوا مع اهلهم….. ايه الحكايه ؟ ما هو الجزء المفقود في العلاقه ؟ كيف نعبر عن حبنا لمن نحبهم بالشكل الذي يجعلهم يشعرون به ويبادلوننا نفس المشاعر؟
الشئ المفقود في معادله حبنا هو ببساطه التركيز علي التعبير عن الحب بال “كيف” بدلا من “الكم”. التركيز علي جوده الحب ومكوناته التي تعكس عمقه وصدقه.
المحلل النفسي و دكتور علم الإجتماع الألماني الراحل اريك فروم قام بعمل ابحاث علي اساسها شرح لنا نظريه The Productive Love وهو الحب المثمر الحب الفعال او ببساطه وبالبلدي كده “الحب اللي يوصل للقلب” حسب نظريه فروم الحب اللي يوصل ويكون مؤثر وفعال ويجعل علاقاتنا سويه وحياتنا أجمل لابد وان يتكون من اربعه عناصر من الأفعال المثمره وهي
الاهتمام care
المسؤليه responsibility
الإحترام respect
المعرفه knowledge
دعوني اشرح لكم هذا الكلام ببساطه ونتحدث عن كل عنصر منهم بشكل يناسب مجتمعنا الشرقي
الأهتمام
الاهتمام ليس فقط عن طريق السؤال التقليدي “عامل ايه؟ وعامله ايه؟” و “صباح الخير وتصبحوا علي خير” لا … الاهتمام لابد من ترجمته الي “أفعال” يصل من خلالها فعلا لمن نحب اننا “مهتمين”. مثلا من مظاهر الاهتمام الفعال للزوجه بزوجها هو توفير مناخ منزلي لطيف عند عودته من العمل. سؤاله عن يومه وتفاصيله بابتسامه قبل ان تنهالي عليه بالشكاوي والقصص اليوميه التي تريدين ان يكون ملم بها. اهتمي بما يهتم به. اما الزوج فأقول له ان مد يد العون في شئون البيت يعتبر اقوي طريقه يصل بها اهتمامك الي زوجتك . ولو زوجتك مثلا يصيبها التوتر وقت الامتحانات والمذاكره إذا الاهتمام يكون في شكل تواجدك في البيت تساعد بأي شكل هي تحتاجه في هذه الأوقات العصيبه التي تمر بها البلاد! قد يتطلب الأمر ان تساعد في مذاكره أحد الأولاد …. او تساعد بعمل كوب من الشاي تقدمه لها كي تشحن طاقتها اثناء المعركه !! هروبك من البيت في هذا الوقت بيتم ترجمته علي انه “عدم اهتمام” ونتيجته بتتطلع علي العيال علي فكره وعليك لما ترجع البيت
اهتمامكم معا بالأولاد لا يكون فقط وقت الدرجات و المذاكره والتمارين والبطولات ولكن يوميا بسؤالهم عن يومهم وأصحابهم … نسألهم بعد المدرسه بشكل ودي خالي من الاستجواب عملوا ايه؟ لعبوا ايه؟ انبسطوا بايه؟ مشاركتهم اهتمامتهم المختلفه حتي لو تبدو سطحيه بالنسبه لكم …الدخول الي عالمهم بحب وانبهار وليس بنقد واستهزاء. بإختصار الاهتمام بكل التفاصيل الصغيره في حياه من نحب بشكل طبيعي وغير مصطنع
“الاهتمام الأصيل والغير زائف سوف يولد اهتمام من نفس النوع من الطرف الأخر”
المسئوليه
من البديهي والفطره ان يكون لدي الأم والأب احساس عالي بالمسؤليه تجاه كل أفراد العائله وهذا طبعا ترجمه وتعبيرعن حبهم. بمعني ان الأم – من شده حبها في ولادها – بتكون عايزه تعمل لهم كل حاجه بنفسها و” ما تتعبهومش” والأب من شده حبه عاده مايكون “عايز يجيب لهم كل حاجه في الدنيا”. ولكن الحقيقه ان الأهم من اننا نجيب لأولادنا او اننا نعمل لأزواجنا هو اننا نعلم أولادنا المبادئ والقيم التي تساعدهم علي ان يعيشوا حياه سويه مثل الصدق والأمانه والإيثار وتقبل الأخر وغيرها من القيم التي نفتقدها في حياتنا الأن وبالطبع اسهل واسرع واقوي طريقه نعلم بها اولادنا هي ان نكون قدوه في تصرفاتنا. مثلا علينا ان نكون دائما صادقين معهم وأمامهم , نفي اذا وعدنا , نراقب انفسنا بإستمرار حتي نتأكد اننا نقوم بما نريده منهم. المسئوليه تكمن ايضا في تربيه طفل مسئول. بمعني ان نعلم اولادنا تحمل المسئوليه والمشاركه: بدايه من سن 3 سنوات يبدأ الأهل تعليم الطفل أن يكون مسئول عن العابه وأدواته الصغيره و مسؤلياته تزيد كلما زاد سنه. في سن 6 سنوات مثلا يكون مسئول عن ترتيب سريره وتجهيز شنطه المدرسه ,عند سن 10 سنوات ممكن يبدأ يكون مسئول عن مصروفه الاسبوعي او الشهري حسب الاتفاق. يبدأ مع الوقت يتعلم ان مسئولياته تمتد الي الأسره والبيت وليس لنفسه فقط. يتعلم ان جزء من حبه لأسرته يكون في شكل مسئوليه وتعاون. بحيث انه في سن المراهقه يكون من الطبيعي ان كل فرد في الأسره لديه مهام في البيت . لماذا؟؟ لأننا نحب بعض … نحب حب مثمر. نحب حب يجعلنا نكمل بعض .
يعني لما بتشيلي البيت كله علي دماغك وتقولي اصلي بحبهم لازم تعرفي ان حبك بهذا الشكل ليس حب “مثمر” ولكنه حب مدمر
الاحترام
بالطبع نحن جميعا نحترم من نحب. لكن لو ركزنا قليلا نجد اننا في بعض الأوقات ننسي أمور قد تبدو لنا صغيره ولا نتصور انها قد تكون مؤثره وقد تشكل فرق مع من نحبهم. الاحترام اشكاله كتيره منها طريقه الحوار واختيار الألفاظ . كلمات بسيطه ولكن وقعها وتأثيرها كبير وقوي : استعمال كلمات وجمل مثل “اشكرك” “من فضلك” و “لو سمحت” و”تسلم ايدك” و”ربنا يخليك لنا” “انت شاطر في كذا ” “انا مبسوط منك في هذا التصرف” “انا فخوره بما قمت به مع اخواتك”. من الطبيعي علي فكره ان نخطئ وقد نتعصب علي اولادنا ولكن من الطبيعي ايضا ان نعتذر … عادي جدا … كلمه “أسفه ” و”أسف” و”حقك عليا” و”اعذرني” تأثيرها كبير جدا ورائع علي الصغير والكبير. الاحترام ايضا يكون عن طريق احترام أراء من نحب و الإستماع بإنصات لكل ما يقولون . ننظر لهم حينما يتحدثون. عدم السخريه من افكارهم او قراراتهم (مافيش حد بيتولد سقراط يعني!). احترام خصوصيتهم وأسرارهم (يعني مش لازم المفتش كورومبو يشتغل علي تليفونات الولاد وأبوهم بعد ما يناموا) . احترام احلامهم و طموحاتهم وحتي احترام اخطاءهم ! مشاركتهم في كل صغيره وكبيره والأخذ برأيهم. احترام من نحب في وجودهم او في غيابهم. احترام اسرارنا . مثلا اسرار بيتنا في بيتنا فقط . أخطاء أولادي انا وهم وباباهم فقط من يعرفها مش ضروري تيته وجدو وخالو وعمو
“وبالطبع الاحترام يولد احترام متبادل”
المعرفه
ما هي علاقه المعرفه والعلم بالحب ؟ العلاقه اقوي مما نتخيل. حسب نظريه فروم حتي يكون حبنا متكامل ومثمر من المهم ان نعرف ونفهم عن طبيعه شخصيه من نحب .من المهم جدا اننا نعرف ما يسعدهم وما يغضبهم . نعرف ازاي؟ ببساطه…. نسألهم نسمع منهم …نتكلم…. ليس من المنطق ان ينتظر كل شخص ان يعرفه ويفهمه الأخرون بدون تواصل. مهم يكون لدينا وقت نجتمع كعائله يوميا او علي الأقل مره او مرتين أسبوعيا ونسمع بعض ونعرف بعض ونتناقش في الأمور المختلفه . مهم اننا نقرأ ونفهم الفرق بين طبيعه الرجل و المرأه . اهتمامات وأولويات كل منهم. مهم ان يفهم الأم والأب أولادهم ومتطلباتهم واحتياجاتهم النفسيه حسب أعمارهم وشخصياتهم وأختلافاتهم. علي سبيل المثال في سن الطفوله من الضروري ان نتكلم كتيرا مع الطفل وننظر له ويري تعبيرات وجهنا حتي يكتسب حصيله لغويه كبيره ويكون مشاعر سويه . يلعب ألعاب التركيب و الألوان. الإبتعاد تماما عن التكنولوجيا مثل (الايباد, بلايستاشن, الهاتف الذكي) حتي سن العشر سنوات . اما الأولاد والبنات في سن ما قبل المراهقه وسن المراهقه لابد ان نستمع بإنصات اكثر مما نتكلم وننصح. نعطيهم مساحه اوسع للتعبير عن ما يدور داخلهم. طبعا نوجه وننصح ولكن دعونا نستمع بنسبه 80 % ونتكلم بنسبه 20% . اعرف انه ليس أمر سهل ولكن صدقوني لو جربتوا وركزتوا سوف تلاحظون فرق كبير في شكل العلاقه بينكم.
ودعونا نتذكر دائما انه ” بدون الاحترام و المعرفه بطبيعه من نحب يتحول الحب الي سيطره وتملك”
كي نلخص الفكره : هؤلاء الأربع عناصر هم الخلطه السحريه للتعبير عن الحب لمن نحب … لماذا سحريه ؟ لأنها ببساطه تحتوي علي الأساسيات التي يحتاجها الإنسان أيا كان عمره وجنسه كي يشعر بالحب… يحتاج للإهتمام بتفاصيله الخاصه والمسؤليه تجاهه والإحترام لمشاعره والمعرفه بخصائصه واحتياجاته.
وتذكروا: “حتي يحبنا من نحب كما نحتاج …. لابد ان نحبهم اولا كما يحتاجون”
في النهايه حتي نتأكد اننا قد استفدنا من قراءتنا لهذا المقال أقترح ان يأتي كل منا بورقه ويكتب عليها الاربع عناصر للحب المثمر (الاهتمام و المسؤليه و الاحترام و المعرفه). وتحت كل عنصر نكتب الأشياء التي نقوم فعلا بعملها و الأشياء التي نريد ان نبدأ في التركيز عليها بشكل اكبرفي الفتره المقبله. من الممكن أيضا ان نشارك الفكره مع كل افراد الأسره ونشرح لهم العناصر الأربعه وكل شخص يقوم بعمل ورقه مماثله وخطه خاصه به
Heba Fawzy
PCI Certified Parent Coach®
Personal Coach and PCI Instructor
بسبب التدنى الثقافى بالشرق الأوسط فإنهم يهتمون بالكم على حساب الكيف لأن الكيف يتطلب المعرفه وهم قليلا ما يعرفون .
الحقيقه يافندم هذه ظاهره عامه وليست في الشرق
الأوسط فقط حيث اني تعاملت مع الكثير من الجنسيات الأجنبيه ولديهم نفس المشكله وفي
الأغلب ما يكون السبب هو الإعلام ورسائله المشوشه